[vc_row css=”.vc_custom_1554880557900{margin-top: -80px !important;}”][vc_column][vc_column_text]
إن الغاية من قانون الاجراءات الجزائية هى التوفيق بين حق المجتمع في عقاب المذنب وفق إجراءات رسمها القانون، وحق المتهم في صيانة حريته والدفاع عن نفسه، ومن دون الموازنة والتوفيق بين حق المجتمع وحق المتهم لن يكون هناك عدالة إجتماعية حقيقية.
كما أن العدالة الناجزة هى واحدة من أسس العدالة الإجتماعية والتى تحقق مصلحة الجانى والمجنى عليه والمجتمع فى آن واحد، إذ يرى المجنى عليه عقوبة مرتكب الجريمة فى أسرع وقت وهو ما يحقق لديه الشعور بالطمأنينة فى المجتمع، كما يتم عقاب الجانى دون تعطيل أو تأخير ومن ثم معاقبته أو تبرئته دون حبسه بلا مبرر فترة من الزمن قد تشعره بالظلم تجاه المجتمع، وفى ذات الوقت تحقق مصلحة المجتمع فى ضبط إيقاع الحياة وشعور الكافة بثمرات العدالة الناجزة.
ومع إزدياد وتنامي الجرائم وتكدس أروقة المحاكم بالدعاوي سواء البسيطة منها والجسيمة كان لزاماً على المشرع أن يتدخل بإيجاد الحل أو المخرج لتخفيف العبء عن الهيئة القضائية في نظر الدعاوي، لا سيما الدعاوي التي لا تتطلب جهداً ووقتاً طويلاً للفصل فيها، لذلك جعل المشرع نصب عينيه مبدأ سرعة الفصل في القضايا لاسيما الجرائم البسيطة التي تكون عقوبتها الحبس أو الغرامة، ومن هنا ظهرت الحاجة لنظام الأمر الجزائي.
وبالرغم من المآخذ التى وجهت لنظام الأمر الجزائي وخاصة ما يتعلق بحق المتهم فى الدفاع عن نفسه، وصدوره خارج أروقة القضاء فى غيبة المتهم أحياناً من دون تحقيق ضمانات التقاضي التى كفلها الدستور، إلا أنه ولكونه مثالاً للعدالة الناجزة التى يرنو إليها المجتمع ككل نجد أن أغلب الدول الأوروبية والعربية قد أقرته وأخذت به، بل أصبح نظام الأمر الجزائي من أهم أدوات السياسة الجنائية التى يتم الإعتماد عليها بصورة أساسية فى معظم دول العالم، ومن أمثلة الدول التى تطبق الأمر الجزائي ضمن منظومتها الجنائية: مصر، الإمارات العربية المتحدة، قطر، العراق، سلطنة عمان، الكويت، سوريا، لبنان، المغرب، ليبيا، الجزائر، فرنسا، ألمانيا، السويد.
– بعض مزايا الأمر الجزائي:
-
الإجراءات المبسطة لإنهاء الدعوى الجزائية من دون اللجوء الى القضاء.
-
يعالج مشكلة تراكم الدعاوي الجزائية وتكدسها في المحاكم والنيابة العامة.
-
يساعد على توفير الوقت والجهد للمحاكم لنظر القضايا ذات الأهمية.
– الخلاف بشأن دستورية الأمر الجزائي:
تجدر الإشارة هنا أن المقصود بالخلاف حول دستورية الأمر الجنائي يتمحور حول مدى دستورية قيام النيابة العامة بإصدار الأمر الجزائي، كون أن النيابة العامة هي سلطة تنفيذية وليست قضائية، فضلاً عن أن النيابة العامة هى ممثلة المجتمع فى الدعوى الجزائية بل هي الطرف الرئيس الذى يبتغى مصلحة المجنى عليه والمتهم على حد سواء، فلذلك كان لزاماً علينا بحث مدى تقبل المجتمع لهذا التحول الذي يجعل من النيابة العامة جهة قضاء، وقد ثار جدل كبير جداً ما بين فريق معارض للفكرة مقتنعاً بالرأى الذى يري عدم دستورية الأمر الجزائي إذ يرى ذلك الفريق أن الأمر الجزائي يفصل فى الدعوى الجزائية دون إجراءات قضائية، وفريق آخر مؤيد يرى فى الأمر الجزائي مثالاً جيداً يحتذى به متوافقاً مع مواد الدستور، وعلى أى حال فقد أضحى الأمر الجزائي نظاماً لا غنى عنه فى السياسات الجزائية والعقابية الحديثة لما له من مزايا أظهرت نجاعتها على المستوى المجتمعى والشخصي بل وعلى الصعيد الإقتصادى للدولة.
-
الأمر الجزائي فى القانون الإماراتى:
نظم المشرع الإماراتى الأمر الجزائي وفق نصوص المواد من 332 حتى 345 من المرسوم بقانون إتحادى رقم 17 لسنة 2018 بشأن تعديل بعض أحكام قانون الأجراءات الجزائية الإتحادى، حيث أورد المشرع بتلك المواد كافة الضمانات والشروط اللازمة لإصدار الأمر الجزائي ضماناً لحسن تطبيقه وضماناً لحق المجتمع والمتهم على حد سواء.
وقد حصر المرسوم بقانون سالف البيان نطاق تطبيق الأمر الجزائي على بعض جرائم المخالفات والجنح المعاقب عليها بالغرامة أو (الحبس أو الغرامة)، كما أعطى المشرع للنائب العام رخصة تحديد المخالفات والجنح التى ينطبق عليها أحكام الأمر الجزائي، كما أن الأمر الجزائي الذى يصدره عضو النيابة يتمثل فى توقيع عقوبة الغرامة المقررة قانوناً بما لا يجاوز نصف حدها الأقصي.
-
ضمانات إصدار الأمر الجزائي فى القانون الإماراتى:
-
حق المتهم فى الإعتراض على الأمر الجزائي الصادر ضده فى خلال سبعة أيام من تاريخ صدوره إن كان حضورياً أو من تاريخ إعلانه إن صدر فى غيبته ويترتب على إعتراض المتهم إعتبار الأمر كأن لم يكن ومباشرة الدعوى أمام المحكمة المختصة بالإجراءات المعتادة.
-
شروط إصدار الأمر الجزائي فى حد ذاتها هى أحد ضمانات الأمر الجزائي، إذ يوجب القانون أن يتضمن الأمر الصادر إسم المتهم وبياناته الشخصية ورقم الدعوى الجزائية وبيان بالتهمة المسندة للمتهم والنص القانونى المطبق والعقوبة الصادر بها الأمر الجزائي وإسم عضو النيابة مصدر الأمر، وهو ما يمكن المطلع على تفاصيل الأمر من التأكد من تطبيق نصوص القانون ذات الصلة بصورة صحيحة.
-
حق تعديل الأمر الجزائي وإلغاؤه هو أحد ضمانات الأمر الجزائي أيضاً، حيث أعطى المشرع لعضو النيابة – على ألا تقل درجته عن رئيس نيابة – حق تعديل الأمر الجزائي أو إلغاؤه خلال سبعة أيام من تاريخ إصداره، فضلاً عن حق النائب العام فى إلغاء الأمر الجزائي خلال ثلاثين يوماً من تاريخ صدوره أو تعديله أو من تاريخ تنازل المتهم عن إعتراضه.
-
إعطاء المتهم حق التنازل عن الإعتراض على الأمر الجزائي الصادر ضده هى أحد المزايا الممنوحة للمتهم وتعتبر فى ذات الوقت ضمانة من ضمانات الأمر الجزائي.
-
للمتهم حق الإستشكال فى تنفيذ الأمر الجزائي فى حال صدور الأمر الجزائي خلافاً للإجراءات المنصوص عليها أو فى حال صدر الأمر الجزائي على شخص غير المتهم.
-
القرار رقم 88 لسنة 2017 الصادر عن سعادة النائب العام بإمارة دبي كتطبيق على بعض الجرائم التى ينطبق عليها الأمر الجزائي (على سبيل المثال قضايا جرائم إصدار شيك بسوء نية):
سبق وأوضحنا أن المشرع قد أعطى للنائب العام الحق فى تحديد المخالفات والجنح التى ينطبق عليها أحكام الأمر الجزائي، وبناء عليه أصدر سعادة النائب العام لإمارة دبي القرار رقم 88 لسنة 2017 بتحديد بعض الجرائم التى ينطبق عليها الأمر الجزائي، ونورد مثالاً على ما جاء بذلك القرار بجرائم إعطاء شيك بسوء نية على ألا تجاوز قيمة الشيك محل الجريمة مائتى ألف درهم، والتى خول بموجبها لأعضاء النيابة العامة سلطة إصدار الأوامر الجزائية وتوقيع عقوبة الغرامة على المتهم وفق ما جلء بالجدول المرفق بقرار سعادة النائب العام لحكومة دبي والذى قسم الغرامة التى يلتزم بفرضها عضو النيابة وفقاً لقيمة الشيك حيث جاء بذات الجدول فرض غرامة قدرها 2,000 درهم عن جريمة إعطاء الشيك بسوء نية الذى لا تتجاوز قيمته 50,000 درهم، وغرامة قدرها 5,000 درهم عن جريمة إعطاء الشيك بسوء نية الذى تتراوح قيمته ما بين 50,001 درهم و 100,000 درهم، وغرامة مقدارها 10,000 درهم عن جريمة إعطاء الشيك بسوء نية الذى تتراوح قيمته ما بين 100,001 درهم حتى 200,000 درهم، أم الشيكات التى تزيد قيمتها عن مبلغ 200,000 درهم تقوم النيابة بإحالتها مباشرة إلى المحكمة الجزائية المختصة وتُغل يد النيابة العامة عنها وتتم محاكمة المتهم وفق الإجراءات المعتادة.
وبالرغم مما لنظام الأمر الجزائي من مزايا تمثلت فى تخفيف الضغط عن المحاكم وسرعة الفصل القضايا البسيطة قليلة الأهمية بما يحقق الصالح العام للمجتمع ككل وصالح المتهم على حد سواء، إلا أنه وحتى الآن مازال نظام الأمر الجزائي مثار جدل كبير بين فقهاء القانون ما بين مؤيد ومعارض وما بين متحمس للفكرة ومعرض عنها بزعم تعارضه مع أحكام الدستور، إلا أننا نرى أن نظام الأمر الجزائي قد أصبح ضرورة ملحة فى ظل تزايد عدد القضايا لاسيما القضايا قليلة الأهمية والتى لا تحتاج لتحقيق بشأنها والتى تشغل وقت وجهد القضاء، ومن هنا برزت أهمية الأمر الجزائي كحل عملى وفعال بالرغم من أوجه النقد التى توجه إليه.
[/vc_column_text][/vc_column][/vc_row]